سيدة الدليفري.. مريم حفني تجوب العاصمة يوميًا برفقة طفليها على “الاسكوتر”
في مشهدٍ يروي قصة صمود وإصرار، تصدرت صورة السيدة مريم حفني، وولديها على “الاسكوتر” كل المواقع والأخبار، بعدما التقط لها أحد المارة صورة عفوية وبدون علمها ليوضح مدى تفانيها في العمل والصعاب التي تواجهها، فقد كانت تقوم بتوصيل الطلبات إلى العملاء بشوارع القاهرة ويجلس أمامها ولدها الصغير وخلفها ولدها الأكبر وكلاهما غارقًا في النوم العميق، وقد أثارت تلك الصورة إعجاب وتعاطف الجميع، حيث تواجه مريم تحديات الحياة بكل قوة وشجاعة، إذ لا تكتفي بتلبية طلبت الزبائن بل تتحمل أيضًا مسئولية رعاية طفلين صغيرين يرافقانها على “االاسكوتر” في معظم الأوقات.
"ليس سهلاً أن أكون أماً عاملة، خاصة عندما يكون الأطفال في رعايتي ، تقول مريم بابتسامة صامدة رغم التعب "لكنني أفعل ذلك لأجلهم، ولأوفر لهم حياة كريمة"، تكشف كلماتها عن قوة الإرادة والعزيمة التي تحركها لتخطي كل الصعوبات التي تواجهها في سبيل تأمين احتياجات أسرتها،
وفي ظل الأزمات الاقتصادية والتحديات اليومية، تعتبر مريم رمزًا للأمل والعمل الجاد، وتعكس قصتها قوة المرأة وقدرتها على التوفيق بين الأدوار المتعددة، وتبرهن أن الإرادة القوية يمكن أن تقهر الصعاب.
تجوب مريم شوارع العاصمة المصرية القاهرة يوميًا على دراجتها النارية لتسليم طلبات الزبائن من التاسعة صباحًا وحتى الخامسة مساءً ، تواجه في طريقها طيلة العام صيفًا حارًا وشتاءً قارسًا، في سعيها لتوفير احتياجات أسرتها وتأمين مستقبلهم.
ولدت مريم في حي شعبي بالقاهرة، حيث نشأت في أسرة متواضعة تعلمت منها قيم العمل والاجتهاد، ومنذ تخرجها من كلية النظم والمعلومات حاولت أن تعمل في مجال دراستها لكنها وجدت معوقات كثيرة، مما دفعها لتكون سائقة دليفري طلبات، ليس فقط كوسيلة لكسب العيش، ولكن كخيار مهني يعكس قوتها وعزيمتها، فالعمل في الدليفري ليس سهلاً، لكنها أعتبرته تحديًا ووسيلة لتحقيق أحلامها، فقد اقترضت ثمن “الاسكوتر” من أسرتها وبدأت عملها الفريد مرتدية الزي الرسمي له ومحاطة بأجواء القاهرة المزدحمة والصاخبة.
تمتاز مريم بإخلاصها في العمل، حيث تبدأ يومها مبكرًا وتخرج من منزلها متوجهةً إلى أحد فروع شركة الدليفري، في محاولة لتحقيق التوازن بين مسؤولياتها العائلية والمهنية، ففي الصيف، تواجه مريم أشعة الشمس الحارقة التي تصطدم بوجهها كلما جالت في شوارع القاهرة، أما في الشتاء، فتتعامل مع الأمطار والبرودة القارسة التي تجعل كل رحلة أكثر صعوبة، ورغم كل هذه الصعوبات، تظل مريم متفائلة، واثقة، وقادرة على مواجهة كل التحديات، وتقول “عندما أرى ابتسامة الزبائن عند تسليم الطلبات، أجد نفسي أستمد القوة لمواصلة العمل، وتغمرني السعادة عندما أعود لأبنائي وقد جلبت إليهم ما يحتاجونه”.
تستمر مريم في عملها على الرغم من طول ساعات العمل والضغوط اليومية، حيث تقضي معظم وقتها بين توصيل الطلبات ومتابعة مساراتها في شوارع القاهرة الواسعة والمزدحمة، لكن مريم لا تكتفي بدورها كموظفة، بل تسعى دائمًا لتقديم خدمة ممتازة، وتحرص على أن تكون وجهًا مألوفًا ومحببًا للزبائن الذين يتعاملون معها بانتظام، قائلًة “ دائمًا أحب أن أكون دقيقة في عملي، لأنني أعلم أن كل طلب هو مسؤولية أتحملها تجاه الزبائن وأيضًا تجاه أسرتي”.
وأضافت “لا تقتصر أيام العمل على تحقيق دخل مادي فحسب، بل أعتبرها أيضًا فرصة لتحمل المسؤولية والقدوة الجيدة لأطفالي، فأنا أم لطفلين “إبراهيم وإسلام” وأعمل بجد لتوفير احتياجاتهم الأساسية وأحرص على توفير الوقت لهم ليحصلوا على الرعاية المعنوية والنفسية اللازمة، وأتمنى أن أراهم طبيبًا ومهندسًا”.
تدرك مريم أن حياتها اليومية هي صورة مصغرة لمعركة أوسع ضد الفقر والظروف الاقتصادية الصعبة التي تواجه العديد من الأسر المصرية، وفي كل يوم، تروي قصتها حكاية أمل وإرادة، تُظهر أن العمل الجاد يمكن أن يكون بوابة للتغيير والتحسين، حتى في أصعب الأوقات، قائلًة “ أريد أن يرى أطفاليبعد سنوات تلك الصورة العفوية ليديكوا جيدًا أن العمل هو الطريق لتحقيق الأحلام، وإنني أعمل بجد لأريهم أن المثابرة والإصرار يمكن أن يتغلبا على كل العقبات”.
فقصة “مريم حنفي” شهادة على أن الأمهات العاملات يمكن أن يحققن النجاح والتوازن بين العمل والحياة الأسرية، وأن الإرادة القوية والالتزام يمكن أن يفتحا أبواب الأمل في عالم مليء بالتحديات، فهي رمز للقدوة والإلهام للكثيرين، وتستحق كل التقدير والاحترام لما تبذله من جهد في سبيل تأمين حياة أفضل لأطفالها.